نيفين منصور تكتب: أين السند يا مولانا ؟
بين الحين والآخر نُفاجأ ببعض التصريحات الصادمة ، منها تصريحات من بعض الشخصيات العامة البعض منها الغرض منه لفت الأنظار أو إحداث نوع من الجدل بغرض تصدر ما يسمى بالترند ،، أمثال تلك التصريحات تشغل المجتمع لفترة ثم تهدأ أو تستمر حسب الحالة، فالبعض يحاول دائما اختراع بعض المواقف أو الأقوال ليتصدر الترند بصورة دائمة .
ومن الممكن أن يتحول الموضوع إلى عادة ، ولكن مع الوقت يستوعب المواطن ما يحدث من حوله ، ويصل إليه بوضوح سبب تلك الضجة التي تم إثارتها والغرض منها ، والاختيار متروك له إما يستمر في متابعة تلك الأحداث أو يتركها تماما ويبتعد عن ما يحدث من جدل ، كل تلك الأمور مقبولة ، ويمكن أن نستوعبها.
حرب التصريحات المتواصلة عندما تكون من العامة ، قد تترك بعض الأثر في النفوس وقد تنتهي تماما عندما يستوعب المواطن حقيقة الأمر والغرض منه ، إلا التصريحات الخاصة بالعلماء ، سواء علماء الدين أو العلماء المتخصصون في مجالات العلم المختلفة ، تلك الفئة من البشر يختلفون عن عامة الناس ، فالأمانة العلمية تحتم عليهم الابتعاد عن إبداء الرأي الشخصي وخصوصاً فيما يتعلق بمجال علمهم ، من الممكن إبداء الرأي فقط في الأمور الحياتية والتي تبتعد عن مجال تخصصاتهم، أما عندما يتحدثون فيما يخص مجال تخصصاتهم العلمية فهناك حالة واحدة فقط قد يُسمح لهم فيها بإبداء الآراء الشخصية ، وذلك في حالة إذا كان الأمر ليس له أصول وتاريخ عند السلف ولم يحسمه العلماء من قبل ولم يأتي به أمر مباشر في الكتاب أو السُنة، أي أنه أمر مستحدث ، يحق له حينئذ الاجتهاد وقد يختلف حينئذ العلماء في هذا الشأن ، وفي الاختلاف رحمة، طالما كان هذا الأمر مُستجد على أهل العلم وليس له سند شرعي أو فقهي .
أما في حالة وجود السند ، يتحمل العالِم أمانة إبداء الرأي بما يتوافق مع علمه وبكل أمانة دون أن يتأثر بما يشعر به أو بتجاربه الشخصية وما يميل إليه قلبه، فالعلم مبني على قواعد ونتائج لا يمكن تغييرها حسب الأهواء ، على سبيل المثال عندما يختلف العلماء في رأي فقهي اختلف فيه السلف يميل كل منهم إلى الرأي القريب إلى قلبه ، وتظل الثوابت واحدة دون المساس بها، وحتى تلك الأمور لايتم الاقتراب منها إلا بعد دراسة طويلة وبحث للتأكد من صحة الرأي الذي توصلوا إليه بعد الاجتهاد والبحث.
ولكن ما نراه في هذا الزمان أصبح مختلف ، البعض من أهل العلم يتحدثون للعامة من الناس بصورة غير التي تعودنا عليها من العلماء، قد يكون العالم أحياناً حسن النية و يتحدث دون قصد ولكن حتى مع حُسن النية يجب على العالم التدقيق والحديث بسند حتى يُبريء ذمته أمام المولى عز وجل ، لأن العلم أمانة ومن يتحمل تلك الأمانة يأخذ على عاتقه توصيلها لعامة الناس بالصورة السليمة التي تبني ولا تهدم والتي تبتعد تماما عن الشبهات في الغرض من الحديث.
على الرغم من تطور أساليب التعليم ومجانيته وفرضه بصورة قانونية على عموم الشعب المصري إلا أن ما زال لدينا نسبة أمية ونسبة من الجهل لدى بعض المتعلمين وخصوصا فيما يخص شئون الفقه والشرع ، وتلك هي المشكلة التي ربما لا ينتبه لها بعض العلماء، يجب أن نفرق بين الأحاديث الخاصة التي تدور في الدوائر المغلقة كدائرة الأصدقاء أو الجيران أو زملاء العمل أو حتى دائرة الراغبين في المشورة وبين الحديث للعامة على المواقع الإخبارية أو مواقع التواصل الاجتماعي ، لأن تلك التصريحات ستصل للعالم بأكمله ، وقد تكون غير سليمة ومبنية على آراء شخصية أو تجارب خاصة ، وقد يصدقها البعض لأنها صادرة من أهل العلم ، وقد تضر أكثر من نفعها عكس ظن قائلها.
تصريحات أهل العلم وخصوصا في مجال الفقه والشريعة وما يخص العبادات وفقه التعامل وفقه الزواج والطلاق يجب أن تكون بناءً على سند إما سند شرعي أو فقهي أو علمي وفي تلك الحالة تعرض التجربة التي أجريت علميا ونتائجها ونسب من تمت الدراسة عليهم من البشر ، ولكن الحديث في المطلق دون دليل أو إحصاءات لا يصح أن يصدر من بعض العلماء الذين نكن لهم كل احترام وتقدير.