الدكتورة نادية قطب تكتب: هل أنت مكتئب أم تشعر بالاكتئاب؟
الاكتئاب أشبه بعقل يريد الموت وجسد يصر على البقاء، وهو مثل العاصفة يأتي دون سابق إنذار، وهو مرض العصر الحالي، وأكثر الأمراض النفسية انتشارا، وكذلك فإنه عرض مشترك في كل الحالات العصابية Neurosis والذهانية Psychosis، وتؤدي الإصابة بالاكتئاب إلى العزلة وفقدان الاهتمام بالحياة وتزايد احتمالات الانتحار، في الولايات المتحدة، حوالي 10% من البالغين يعانون من الاكتئاب، ولكن لأنه مرض نفسي، فهو أكثر صعوبة في الفهم من ارتفاع الكوليسترول مثلاً، وأحد أهم مصادر الخلط هو الفرق بين مرض الاكتئاب ومجرد الإحساس بالاكتئاب، غالباً الجميع يشعرون بالحزن من وقت لأخر، الحصول على تقدير سيء، فقدان وظيفة، الدخول في جدال، فقد الحب والمساندة، فقد حبيب أو فراقه، والوحدة كل ذلك يمكن أن يجلب الشعور بالحزن، وأحياناً قد لا يوجد سبب على الإطلاق إنه فقط يتواجد من اللاشئ، بعد ذلك تتغير الظروف وتلك المشاعر الحزينة تختفي، أما في حالة الإكتئاب الإكلينيكي أو الاكتئاب الذهاني Psychotic Depression فالأمر مختلف. إنه خلل طبي، ولن يختفي فقط لأنك تريده أن يختفي إنه باق على الأقل لمدة أسبوعين متواصلين، ويتداخل بطريقة سيئة مع قدرة الفرد على العمل أو اللعب أو الحب مثلا، إنه أشبه بعقل يريد الموت وجسد يصر على البقاء، يمكنك رؤية الشمس لكن لا يمكنك الشعور بدفئها.
والاكتئاب لديه الكثير من الأعراض مزاج سيء، فقد الاهتمام بالأشياء التي تستمتع بها في العادة، تغير في الشهية، الإحساس أنك بلا فائدة أو أنك مذنب للغاية، النوم فترات طويلة جداً أو قصيرة جداً، فقد التركيز، عدم القدرة على الراحة أو حتى البطيء الشديد، فقد الطاقة، أو التفكير المتكرر في الانتحار، فإذا كنت تعاني من خمسة على الأقل من هذه الأعراض، تبعاً لإرشادات الطب النفسي، فأنت تخضع لتشخيص الاكتئاب، كما أنها ليست فقط أعراض سلوكية، فالاكتئاب لديه أعراض فسيولوجية داخل المخ، هناك تغير يمكن ملاحظته بالعين المجردة وبالأشعة السينية أيضاً، وهذا يتضمن تقلص حجم الفصوص الأمامية و الحصين وبصورة دقيقة، الاكتئاب مرتبط بأشياء قليلة، الانتقال غير الطبيعي أو استنفاذ ناقلات عصبية معينة خاصة السيروتونين، والدوبامين، خلل الساعة البيولوجية، أو تغيرات خاصة بمراحل نومك المختلفة، وخلل هرموني، كارتفاع الكورتيزول وعدم انتظام الهرمونات الدرقية. ولكن علماء الجهاز العصبي ليس لديهم تصور كامل عن ماذا يسبب الاكتئاب، يبدو أن لهذا علاقة متشابكة ما بين الجينات وتفاعلها مع البيئة لكننا لا نملك أداة تشخيصية يمكنها بدقة تحديد متي وأين يمكن للاكتئاب الظهور، ولأن أعراض الاكتئاب غير مادية فمن الصعب معرفة من قد يبدو بأنه بخير ولكنه في الحقيقة يعاني.
تبعاً للمعهد الوطني للصحة العقلية( National Institute of Mental Health (NIMH يمكن للشخص المتوسط أن يعاني من مرض عقلي لمدة قد تزيد على 10 أعوام حتى يطلب المساعدة، ولكن هناك علاج فعّال جدًا فالأدوية وجلسات العلاج كلاهما يساعدان على تحسن كيمياء المخ، وفي بعض الحالات المستعصية العلاج بالصدمات الكهربائية والذي يشبه حالات الصرع، ولكن تحت التحكم لمخ المريض فهو مفيد جدا أيضاً، وعلاجات أخرى واعدة مثل التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة في مرحلة الاختبار.
لذلك إذا كنت تعرف شخصاً ما يعاني من الاكتئاب، شجعهم بلطف كي يخضعوا لواحداً من هذه العلاجات، ويمكنك أيضاً أن تعرض مساعدتك من خلال مهمة محددة، كالبحث عن معالجين في منطقتك، أو عمل قائمة من الأسئلة لطرحها على الطبيب، بالنسبة لشخص يعاني من الاكتئاب هذه الخطوات الأولى تبدو صعبة ، وإذا كانوا يشعرون بالذنب أو الخزي، وضح لهم أن الاكتئاب هو حالة مرضية طبية، مثل الربو أو مرض السكري، ليس ضعفاً أو سمة شخصية ويجب ألا يفترضوا أنهم سيتغلبون عليه بمفردهم تماما كعدم قدرتهم على التعافي بمفردهم من كسر في الذراع.
وإذا لم تعاني من الاكتئاب مطلقاً، فتوقف عن مقارنته بالمرات التي شعرت فيها بمزاج سيء. فمقارنة ما يشعر به مريض الاكتئاب بالشعور الطبيعي المؤقت بالحزن قد يجعل المصاب يشعر بالذنب من حاله، فكلمات مثل ابتهج هناك الكثير مما يجب أن تكون سعيدًا بشأنه" يشبه إخبار شخص مصاب بالربو "تنفس فقط" هناك الكثير من الهواء، فلا داعي لمثل هذه الكلمات مع شخص يعاني حقا من مرض الاكتئاب، ولكن يمكن التحدث عن الاكتئاب بشكل طبيعي، فمثلاً الأبحاث وضحت أن السؤال عن التفكير في الانتحار بالفعل قلل من مخاطر الانتحار، ولذا فالتحدث عن المرض الذهني بطريقة طبيعية يساعد في التغلب على وصمة العار، ويجعل طلب المساعدة أسهل على المرضى، وكلما زاد عدد المرضى الذين يقبلون الخضوع للعلاج كلما عرف العلماء أكثر عن الاكتئاب، وبالتالي يتحسن العلاج.