الدكتور فتحي الشرقاوي يكتب: سيكولوجية النقد
المدقق في ادبيات مهارة النقد بعامة.. والنقد في مجال القضايا المجتمعية ذات النزهة العمومية بخاصة، لا يجد ادنى صعوبة في الوقوف على عدة محددات ،لابد من توفرها ،قبل ممارسة النقد وتفعيله..بعضها يرتبط بسيكولوجية الناقد وتكوينه وبنائه النفسي والمعرفي ،وبعضها يتصل بالموضوع المنتقد من حيث الالمام بكافة ابعاده وملامحها انتقاده وعرض نقائصه وعيوبه، وبعضها يرتبط بجملة الظروف والملابسات المجتمعية المحيطه بالموضوع الذي يتم انتقاده ، وبعضها يتصل بالتخصص النوعي للقائم بعملية النقد، للتفرقه بين النقد العقلاني الموضوعي والنقد العاطفي القائم على مجرد التنفيس والتفريغ الانفعالي..
وللاسف مايمارس من نقد في بيئتنا الشرقيه عادة مايفتقد بعض او كل تلك المحددات، الى الحد الذي يمكن اعتبار دور الناقد الحقيقي قد يكون مختفيا.
الاشكالية الأولى...شخصية الناقد.
سأكتفي في هذا المقام بذكر ٣ أنماط من الشخصيات الناقده
الشخصية الأولى.
النقد من أجل النقد دون توفر الادلة والبراهين الدقيقة والقاطعة التي تشير الى صحة مايقدمه من نقد ،هنا يصبح النقد بمثابة نزعة انفعاليه تبتعد تماما عن إعمال العقل والتدبر والنزعة التحليلية
الشخصية الثانية..
النقد القائم على ترديد البعض للنقد، وهذه الشخصية يطلق عليها الشخصية المسايرة الانصياعية،كل دوره يقتصر فقط على ترديد النقد لمجرد ان الأخرين يرددون النقد فقط..( سيكولوجية القطيع والحشد)
الشخصيةالثالثة.
النقد بغرض الانتقام سواء بقصد او دون ذلك وهو مايطلق عليها الشخصية الانتقامية، والتي عادة ماتعاني من بعض المواقف السلبية السابقة، مما يدفعها لتصفية حساباتها القديمه في صورة نقد مستمر لأوضاع حالية..
والحقيقة أن كل تلك الشخصيات الثلاثة السابقة، عادة ماتفتقد القدرة على إحداث التغيير المطلوب، نظرا لاهتمامها المستمر بنقاط الضعف والتقصير،اكثر من رؤيتها للجوانب الايجابية ، مما يصبغ اتجاهاتها بلون التحيز البعيد عن الحياتية الموضوعية
السؤال..من هو اذا الناقد الحقيقي..
هو ذلك الشخص الذي ينتقد اوجه القصور والعيوب مدعوما بالأدلة والبراهين والمعطيات. وفي نفس الوقت لا يهمل الإشارة الى ايجابيات ماينتقده بل وقادر في نفس الوقت على طرح البديل الموضوعي لما ينتقده،بحيث يصبح لديه دورين،الأول تحليل وتفكيك الموضوع الذي ينتقده الى عناصر ومكوناته الاولى،ثم القيام بإعادة تركيبه في ضوء رؤيته الإصلاحية الجديده...ولعلنا نلحظ انتفاء هذا الجانب لدى الكثير منا، حتى صفوة المثقفين ،حيث نقتصر على ترديد أوجه القصور دون تقديم التصور الأمثل الاصلاحي له
الإشكالية الثانية... موضوع النقد..
لاشك أن انتقاد موضوع ما دون الإحاطة بكافة ملابسات ومراحل تكوينه واصداره وتفعيله،يعد دربا من العشوائية، وذلك ببساطه لأن الناقد مالم يكن قريبا من دوائر صنع القرارات او على الاقل لديه المعرفة بكيفية إدارة الموضوعات، فلن تتاح له حينئذ الإحاطة بكافة أبعاد الموضوع المنتقد، ويبدو ذلك واضحا في القضايا السياسية وقضايا الرأي العام،حيث لا يتاح للافراد عادة سوى القدر الضئيل واليسير من البيانات والمعلومات،التي يصبح الانطلاق منها للنقد والتعميم مخاطرة غايه في الخطوره..
السؤال..ماذا نفعل حينئذ..ببساطه شديدة السعي نحو الحصول على البيانات والمعطيات الدقيقة التي تصدرها الجهات الرسمية، ومن ثم تحليل مضمونها بشكل علمي دقيق( ربط المقدمات بالنتائج) وبعدها يتم تقديم النموذج الانتقادي الهادف.
الإشكالية الثالثة.
التخصص النوعي للقائم بعملية النقد..لا شك أن النقد الموضوعي يعتمد في نجاحه او فشله على التخصص الدقيق للناقد ومدى ملائمة الموضوع المنتقد لتخصصه النوعي او ابتعاده عنه، فمن الصعوبة البالغة قيام شخص متخصص في ادبيات اللغه مثلا بانتقاد التفاصيل الدقيقة لمشروع هندسي في غاية الدقه، ويتطلب بدوره متخصص دقيق في علوم الهندسة لابداء وجهة نظره فيه، هنا يصبح نقد الناقد غير المتخصص اشبه بمجرد الرأي وليس النقد...وشتان بين هذا وذاك..
اخيرا وليس بآخر...يمكننا القول بأن نجاح النقد البناء في تحقيق أهدافه إنما يتحقق في ظل عدة شروط
الأول.سعي الشخص المنتقد المؤهل علميا وتخصصيا للقضايا العامة بحيادية وموضوعيه،دون السعي لمأرب اخرى ممعنه في الذاتية له.
الثاني.استماع الجهات المعنية للاراء الناقدة ودراستها وبيان مدى أهميتها ومن ثم الاستعانة بها في عمليات التخطيط وصناعة القرارات وصياغتها واصدارها ومتابعتها
الثالث.ضرورة توفير المناخ المجتمعي الذي ينظر فيه الرأي العام للناقد الحقيقي نظرة إجلال واكبار وتعظيم، بدلا من نعته ووصفه بأنه شخص معارض ومثير للمتاعب والمشكلات
الله من وراء القصد وهو الهادي الى سواء السبيل
تحيا مصرنا العزيزة الغاليه.