الدكتور أحمد عبود يكتب: التوكل والتواكل.. بين القوة الدافعة للعمل والعائق نحو الفشل
التوكل والتواكل هما مفهومين يبدوان متشابهين لكنهما يختلفان جوهريًا في المعنى والممارسة. التوكل هو الاعتماد على الله بقلب مؤمن وثقة تامة، مع بذل الجهد واتخاذ الأسباب لتحقيق الأهداف. لا يعني التوكل أن يجلس الإنسان مكتوف الأيدي منتظرًا أن تتحقق الأمور من تلقاء نفسها، بل هو القيام بكل ما يستطيعه المرء من عمل ثم ترك النتائج بيد الله. التوكل إذن هو التوازن بين الاعتماد على الله والعمل الجاد، حيث يفعل الإنسان ما بوسعه ولا يقلق بشأن النتائج لأنها في يد الله. القرآن الكريم يوضح هذا المبدأ في قوله تعالى: "وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ" (الطلاق: 3)، مما يعني أن الله يكفي عباده الذين يعتمدون عليه بعد أن يبذلوا الجهد المطلوب.
في المقابل، التواكل هو اعتماد الشخص على الله بطريقة خاطئة دون أن يبذل أي جهد أو يقوم بأي عمل. هو كسل مقنع تحت ستار الدين، حيث يتوقع الإنسان أن تتحقق الأمور دون أي تدخل أو سعي منه. التواكل يتجاهل أهمية العمل والمسؤولية التي ألزمنا الله بها. الشخص الذي يبرر كسله ويقول إنه "يتوكل على الله" دون بذل جهد هو في الحقيقة متواكل. التواكل يؤدي إلى ضعف الفرد وتراجع المجتمع، لأنه يمنع الناس من المشاركة في بناء حياتهم وحياة مجتمعاتهم. في الوقت نفسه، الإسلام يحث على العمل والاجتهاد، وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم هذا المبدأ بقوله: "اعقلها وتوكل"، أي خذ بالأسباب واعتمد على الله في النتائج.
التواكل له آثار سلبية واضحة على الفرد والمجتمع، إذ يؤدي إلى الركود والجمود. عندما يعتمد الأفراد على الأقدار دون بذل أي جهد، يصبح المجتمع عاجزًا عن التقدم. ينمو الكسل ويضعف الإبداع، مما يجعل الأمة تتراجع في مختلف المجالات. الأشخاص الذين يتواكلون يتجنبون المسؤولية، ويبررون فشلهم بحجة أن "كل شيء بيد الله"، دون أن يدركوا أن الله أمرهم بالسعي والاجتهاد. هذه الفكرة الخاطئة قد تُفاقم مشاكل الفقر والبطالة، لأن البعض يعتقد أن أوضاعهم ستتحسن دون الحاجة إلى العمل الجاد.
لنأخذ مثالًا على التوكل الصحيح: الطالب الذي يدرس بجد ويجتهد طوال العام هو نموذج للمتوكل الحقيقي. هو يأخذ بالأسباب اللازمة لتحقيق النجاح، ثم يترك النتائج بيد الله. على الجانب الآخر، الطالب الذي لا يدرس ويعتمد فقط على "التوكل" يوم الامتحان، دون أي جهد مسبق، هو متواكل، ويعرض نفسه للفشل بسبب إهماله للأسباب.
التوكل على الله لا يعني التخلي عن الجهد، بل يشجع على العمل المتقن والاعتماد على الله فيما يخص النتيجة. إن العمل والاجتهاد هما ركيزتا النجاح، والتوكل يمنح الإنسان السكينة والرضا بما سيأتي بعد بذل الجهد. لتجنب الوقوع في فخ التواكل، يجب على الإنسان أن يدرك دوره في الحياة، وأن يعمل بجد ويأخذ بالأسباب. الله أمرنا بالسعي والعمل في قوله تعالى: "هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِزْقِهِ" (الملك: 15)، مما يعني أن العمل هو السبيل إلى الرزق.
علينا أيضًا أن نربي أطفالنا على أهمية العمل والاجتهاد، وأن نعلمهم أن الجهد مكافأته عظيمة عند الله. عندما ينشأ الأطفال على فكرة أن العمل هو أساس النجاح، فإنهم يتعلمون كيف يكونون متوكلين بشكل صحيح، لا متواكلين. في النهاية، التوكل هو القوة التي تدفع الإنسان للعمل والسعي نحو الأفضل مع الثقة في الله والاطمئنان إلى أن ما يحدث هو خير. أما التواكل، فهو عائق يمنع الإنسان من تحقيق إمكاناته ويقوده إلى حياة من السلبية والاعتماد الخاطئ.