الدكتور أحمد عبود يكتب: الشرق الأوسط الجديد وأمريكا.. رؤية وتحولات
ظل الشرق الأوسط لفترات طويلة منطقة ذات أهمية استراتيجية، ليس فقط بسبب موقعه الجغرافي الذي يربط بين ثلاث قارات، ولكن أيضًا لاحتوائه على ثروات طبيعية هائلة وعلى رأسها النفط والغاز. ومع كل مرحلة من المراحل التاريخية، لعبت القوى العظمى دورًا محوريًا في تشكيل مصير هذه المنطقة، ولا يمكن تجاهل دور الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة في سياق الحديث عن "الشرق الأوسط الجديد".
فكرة الشرق الأوسط الجديد
ظهر مصطلح "الشرق الأوسط الجديد" لأول مرة في التسعينيات، وخاصة خلال فترة إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب، ثم اكتسب زخماً أكبر خلال فترة جورج بوش الابن بعد أحداث 11 سبتمبر 2001. كانت هذه الرؤية تستند إلى فكرة إعادة تشكيل المنطقة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً بما يتوافق مع مصالح الولايات المتحدة وحلفائها.
الأهداف الأمريكية في الشرق الأوسط الجديد
1. إعادة رسم الحدود: طرحت فكرة تقسيم دول المنطقة إلى كيانات أصغر على أسس طائفية أو عرقية لتحقيق استقرار ظاهري ولمنع قيام قوى إقليمية كبيرة تنافس النفوذ الأمريكي.
2. السيطرة على الموارد: ضمان استمرار تدفق النفط بأسعار مناسبة والتحكم في مصادر الطاقة.
3. دعم الحلفاء: تعزيز أمن إسرائيل كحليف استراتيجي أساسي للولايات المتحدة في المنطقة.
4. مكافحة الإرهاب: الترويج لفكرة محاربة الجماعات الإرهابية، ولكن بأساليب كثيراً ما أثارت انتقادات بسبب التدخلات العسكرية التي أضرّت بالشعوب.
5. إرساء الديمقراطية: كانت الديمقراطية شعارات تُرفع غالباً للتدخل في شؤون الدول، مع التركيز على تغيير أنظمة الحكم بما يخدم المصالح الأمريكية.
وسائل تحقيق الرؤية
التدخل العسكري: كما حدث في العراق وأفغانستان.
الدبلوماسية الناعمة: استخدام الإعلام والمؤسسات غير الحكومية للتأثير على الرأي العام في المنطقة.
التطبيع والعلاقات الاقتصادية: دفع الدول العربية إلى التطبيع مع إسرائيل ضمن اتفاقيات تركز على الشراكة الاقتصادية والأمنية.
إثارة الفتن الداخلية: من خلال دعم جماعات معارضة أو تشجيع الانقسامات الطائفية والسياسية.
النتائج الواقعية على الأرض
رغم الطموحات الأمريكية، فإن السياسات المرتبطة بالشرق الأوسط الجديد لم تحقق الاستقرار المنشود. بل أدت إلى:
الفوضى العارمة: انهيار دول مثل العراق وسوريا واليمن وليبيا بسبب الحروب والصراعات الداخلية.
صعود قوى جديدة: مثل إيران وتركيا التي زادت من تدخلاتها في الشؤون الإقليمية.
التدخلات الدولية المتعددة: تحول المنطقة إلى ساحة صراع بين القوى الكبرى مثل روسيا والصين إلى جانب الولايات المتحدة.
زيادة التطرف: تصاعد نفوذ الجماعات الإرهابية كنتيجة مباشرة للفراغ الأمني والتدمير الشامل لبعض الدول.
نظرة مستقبلية
اليوم، يبدو أن مفهوم "الشرق الأوسط الجديد" يخضع لإعادة تعريف في ظل التغيرات الجيوسياسية العالمية. فالصعود الاقتصادي للصين ومبادرة "الحزام والطريق"، إلى جانب تراجع التدخلات الأمريكية المباشرة، يشير إلى تحول في أولويات القوى الكبرى. ومع ذلك، تظل الولايات المتحدة لاعباً أساسياً عبر تحالفاتها واستراتيجياتها الاقتصادية والعسكرية.
خاتمة
لا يمكن إنكار أن الشرق الأوسط الجديد الذي سعت إليه الولايات المتحدة كان هدفاً مثيراً للجدل. فبينما وعدت بتحقيق الاستقرار والازدهار، كانت النتائج عكسية في كثير من الأحيان. واليوم، يبقى الشرق الأوسط رهيناً للتفاعلات الداخلية والخارجية، حيث يظل السكان هم من يدفعون الثمن الأكبر.