د. محمد سيد أحمد يكتب: قمة رياض جديدة .. هل من جديد ؟!
قد يبدو كثيراً مما سيرد في هذا المقال مكرراً كما هي كلمات الرؤساء والقادة العرب والمسلمين في قممهم المزعومة، ففي ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ أعلنت المقاومة الفلسطينية البطلة والشجاعة عن قيامها بعملية طوفان الأقصى، والتي على أثرها بدأ العدوان الصهيوني على غزة والذي شكل الحدث الأبرز على الساحة الدولية، فأمام الهمجية الصهيونية التي تفوقت على نفسها، تراجعت وتضاءلت كل الأحداث التي شغلت الرأي العام العربي والعالمي، فلم نعد نسمع ولا نرى عبر كل وسائل الإعلام أخبار الحرب الروسية – الأوكرانية التي استحوذت على اهتمام الرأي العام العالمي لما يزيد على العام ونصف العام متصلة، وتراجعت بقوة أخبار الصراع في السودان بين الجيش السوداني بقيادة البرهان ومليشيا الدعم السريع بقيادة حميدتي، وتلاشت أخبار الانقلاب العسكري في النيجر على محمد بازوم الرئيس الموالي للغرب والمنفذ للأجندة الفرنسية، ولم يعد أحد يذكر ما يحدث في ليبيا واليمن وسورية والعراق، وتوقف الحديث نهائي عن الملف النووي الإيراني، وغيرها من الأحداث والأخبار التي كانت تستحوذ على المساحة الأكبر فيما تبثه الآلة الإعلامية المحلية والإقليمية والدولية.
فما فعلته وتفعله الآلة العسكرية الصهيونية من إبادة جماعية للشعب الفلسطيني في غزة دون شفقة أو رحمة، لدرجة أن العين اعتادت على رؤية دماء الأطفال والنساء والشيوخ، والنعوش التي تحمل أجسادهم الطاهرة بعدما فارقتها أرواحهم، جعل هذا الحدث هو الأكبر والأعظم الذي يهز الضمير الإنساني ويحرك الجماهير المنددة بالعدوان حول العالم، وجعل وسائل الإعلام حول العالم عاجزة عن استبعاد وتهميش الحدث الجلل، بل اجبرت الآلة الإعلامية الدولية على وضع الحدث في بؤرة التركيز والدلالة، ووفقاً لأهمية الحدث عقدت قمة عربية – إسلامية استثنائية في ١١ نوفمبر ٢٠٢٣ في الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية وهي قمة طارئة مشتركة بين دول جامعة الدول العربية ودول منظمة التعاون الإسلامي، لبحث العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني.
وبالطبع استحوذت أعمال القمة على اهتمام الرأي العام العربي والعالمي ولما لا والمجتمعون يشكلون ما يزيد على ربع أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة، مما يوحي بإمكانية التأثير خاصة إذا أسفرت القمة في بيانها الختامي عن قرارات واضحة وحاسمة، وهنا وقبل التوقف أمام أهم ما جاء بنص البيان الختامي لقمة الرياض الأولى في نوفمبر ٢٠٢٣ وجب الإشادة بقوة اللغة الخطابية للزعماء العرب والمسلمين المشاركين في هذه القمة، حيث اتسمت الكلمات بعبارات الشجب والتنديد والإدانة للممارسات العدوانية الإسرائيلية بصورة فاقت كل القمم السابقة، وكانت أهم قرارات القمة هي: (إدانة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة .. والمطالبة بضرورة وقفه فوراً، وكسر الحصار على غزة وفرض إدخال قوافل مساعدات إنسانية عربية وإسلامية ودولية، تشمل الغذاء والدواء والوقود إلى القطاع بشكل فوري، ودعوة المنظمات الدولية إلى المشاركة في العملية، وتأكيد ضرورة دخول هذه المنظمات إلى القطاع، وحماية طواقمها وتمكينها من القيام بدورها بشكل كامل، ودعم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين " الأونروا")، وكان سؤالنا في حينه وفي مقال على نفس هذه المساحة هل يوقف قرار قمة الرياض العدوان على غزة ؟ وكانت إجابتنا القاطعة لا وذلك لأن القمة المزعومة لم تنجز أي آلية واقعية لوقف العدوان على غزة، ولم تتخذ قرار يمتلك قوة التنفيذ، وبالفعل مر عام كامل على هذه القمة استمر فيها العدوان الصهيوني على غزة، بل وألحق بها لبنان، وخلال الأسبوع الماضي انعقدت قمة رياض جديدة، لذلك تساءلنا هل من جديد؟!
وجاءت القمة الجديدة بكلمات حماسية شجب وتنديد وإدانة للممارسات العدوانية الإسرائيلية كالعادة ليست على غزة فقط بل ولبنان أيضاً، وجاء البيان الختامي ليعيد تكرار نفس قرارات القمة الماضية مع اختلاف وحيد هو إعادة الصياغة واستخدام كلمات ومصطلحات مرادفة حيث أكد على (إنهاء تداعيات العدوان الإسرائيلي على المدنيين، ومواصلة التحرك بالتنسيق مع المجتمع الدولي لوضع حد للانتهاكات الإسرائيلية الخطيرة للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وتعريض إسرائيل السلم والأمن الإقليميين والدوليين للخطر)، كما حذر البيان الختامي من (خطورة التصعيد الذي يعصف بالمنطقة وتبعاته الإقليمية والدولية، ومن توسع رقعة العدوان الذي امتد ليشمل لبنان، ومن انتهاك سيادة العراق وسورية وإيران دونما تدابير حاسمة من الأمم المتحدة، وبتخاذل من الشرعية الدولية).
ولسنا في حاجة لمزيد من القراءة والتحليل في محتوى قرارات قمة الرياض الجديدة للإجابة عن السؤال المطروح هل من جديد ؟! فالإجابة القاطعة لا، فالقمة الجديدة مثل سابقتها قبل عام لم تنجز أي آلية واقعية لوقف العدوان على غزة ولبنان، ولم تتخذ قرارات تمتلك قوة التنفيذ، فالبيان الختامي جاء خالي من أي خطوات عملية للضغط على العدو الصهيوني لوقف عدوانه على غزة ولبنان، لذلك نقول لك الله يا شعب فلسطين ولبنان، ولا سبيل إلا المقاومة حتى النصر أو الشهادة، اللهم بلغت اللهم فاشهد.