الدكتور أحمد عبود يكتب: الترندات.. كيف تؤدي بنا إلى الهاوية؟
اليوم نعيش في عالم تتحكم فيه الترندات، فباتت جزءًا من حياتنا اليومية، وهي أشبه بموضة سريعة الانتشار والتأثير؛ يلهث وراءها الكثيرون من دون تمييز بين ما هو مفيد وما هو ضار. ولكن مع الأسف، نجد أن أغلب هذه الترندات تنحرف عن مسار القيم والأخلاق، حتى أصبحت تؤثر سلباً في ثقافة مجتمعنا وتشوه مبادئنا. نرى في كل يوم ترندات جديدة، بعضها يُظهر فتيات بشكل غير لائق، وآخر يتفاخر بأغانٍ لا تحمل سوى كلمات ساقطة، ومع الوقت، تحول الأمر إلى استهزاء بالأعمال والمهن بل والاستهزاء بالفقراء، وصولاً إلى التهكم من العلاقات الزوجية والروابط الأسرية.
1. عري الفتيات: من أخطر ما انتشر في الآونة الأخيرة هو تقديم الفتيات لأنفسهن عبر وسائل التواصل الاجتماعي بأسلوبٍ يقترب من حدود العري ويعرض الجسد بشكل غير أخلاقي لجذب الأنظار. هذه الظاهرة تؤثر سلبًا على تصور الفتيات لأنفسهن وتدفع العديدات منهن إلى التقليد الأعمى، معتبرات أن لفت الانتباه بأي طريقة هو الوسيلة للوصول إلى الشهرة والقبول. لكن ماذا عن الاحترام والقيمة الذاتية؟ أين المبادئ التي يجب أن يحافظن عليها؟ إن الانزلاق في هاوية الترندات التي تعتمد على المظهر هو طريق سريع نحو ضياع الهوية، والتنازل عن الكرامة من أجل حفنة من اللايكات والمشاهدات.
2. الأغاني الساقطة: كم مرة سمعنا كلمات لا تحمل معنى، وجملاً تخدش الذوق العام، ومفردات لا تليق، لكنها مع ذلك تنتشر كالنار في الهشيم؟ الأغاني الهابطة أصبحت جزءاً لا يتجزأ من الترندات، وبدل أن نرى محتوى فنياً يعبر عن قيم وثقافة حقيقية، باتت الأغاني تتمحور حول استعراض الابتذال. للأسف، بات هناك جيل كامل يتغذى على هذه الكلمات ويعيد تكرارها بلا وعي، مما يسهم في تدهور الذوق العام وإفساد الأذواق الموسيقية والأخلاقية.
3. الاستهزاء بالحرف والمهن: ما كان يعتبر في السابق مصدر فخر واحترام، كالحرف التقليدية والمهن البسيطة، أصبح الآن موضوعاً للسخرية. نجد مقاطع فيديو تستهزئ بعمال النظافة أو الصناع أو أصحاب الأعمال الصغيرة، وكأن قيمة الإنسان باتت تقاس بما يملك لا بما يقدمه. هذا الأسلوب يُحدث شرخاً اجتماعياً بين الفئات المختلفة ويزرع في عقول الشباب فكرة أن الكسب الشريف ليس شيئاً يدعو للفخر، وهو أمر خطير على مستقبل العمل والأخلاق.
4. الاستهزاء بالفقراء: من أخطر الترندات تلك التي تهين من لا يملكون ثروة أو مظاهر باذخة. تُعرض مشاهد تظهر الحياة الفارهة كأنها المعيار الوحيد للجودة، مما يعمّق الفجوة بين الطبقات الاجتماعية ويزيد من شعور الفقراء بالاحتقار. الاستهزاء بالفقر أو الفقراء هو سلوك غير أخلاقي يعزز الانقسام الاجتماعي ويجعل من المحتاجين موضوعاً للتندر بدلاً من التفكير في سبل دعمهم أو احترام كرامتهم.
5. العلاقات الزوجية والمساس بالروابط الأسرية: حتى العلاقات الزوجية لم تسلم من الترندات السامة. تجد بعض الفيديوهات التي تُظهر الأزواج في مواقف محرجة أو تهكمية، أو تروج لأفكار خاطئة عن الزواج وأهمية الأسرة. عندما تتحول الحياة الأسرية إلى ساحة للتندر على الإنترنت، تتراجع قيم الاحترام والتقدير بين الأزواج، ويُساء إلى قدسية الروابط الأسرية، مما ينعكس سلباً على الأجيال المقبلة.
ضرورة إلغاء هذا المسار: لقد حان الوقت لنقول "كفى" للترندات التي تهدم الأخلاق وتغذي سلوكيات غير سوية وتزرع في عقولنا كل ما هو ضار ومهين. يجب أن نعود إلى المبادئ والقيم التي نشأنا عليها وأن نوجه تركيزنا نحو محتوى يعزز الأخلاق، ويرتقي بالمجتمع، ويسهم في بناء ثقافة قوية وواعية.
إن مسؤولية التغيير تبدأ من الفرد، فإذا توقفنا عن متابعة هذه الترندات أو الانسياق خلفها، فسنوجه رسالة قوية بأننا نرفض الابتذال ونؤمن بقيمة الإنسان وأخلاقيات المجتمع.