محمد عبد اللطيف يكتب: مسرحية ”مينو وزبدة” .. الواقع يختبئ في ثياب التاريخ
قبل أيام ذهبت الي ورشة الزيتون الثقافية، لحضور مناقشة مسرحية "مينو و زبدة" للكاتب إبراهيم حسن ، وهي دراما تدور أحداثها في مدينة رشيد أثناء الحملة الفرنسية علي مصر 1801-1804 ، عنوان المسرحية يشير إلي قصة الجنرال "مينو " الذي أعلن إسلامه وتزوج زبيدة ابنة محمد البواب، والتي قصد المؤلف أن يكون اسمها "زبدة " و هي المعروفة باسم غادة رشيد .
المسرحية ليست تأريخاً لتلك الفترة، لكن المؤلف رسم ملامحها من خلال عمل فني بديع من مشاهد وحوار وأوضاع أجتماعية وما تحويه من عادات و موروثات وبيئة سياسية .
ناقش العمل نخبة من الأدباء و النقاد والكتاب، تباروا في التقاط جماليات النص ، وهم صبري الجنزوري، حسن بكري،والناقدان مجدي نصار وأحمد حلمي، والكاتبة حنان عزيز، وادارها الإعلامي عمرو الشامي .
وأنا أغوص في دراما النص، تخيلت نفسي أنني لا أستمع ،فقط، لنقاش النقاد والكتاب، بل أجلس أمام خشبة المسرح، أشاهد بأريحية 13 لوحة فنية، مضمونها يحتوي علي رسالة هادفة، تقدم المتعة، و تحفز العقل علي التفكير، لاستدعاء الواقع بكل اشكالياته ، رغم أن أحداث المسرحية تدور خلال فترة تاريخية مر عليها ما يزيد عن قرنين من الزمان ، لكنها كانت مشحونة بأبعاد انسانية و موروثات ثقافية، منها ما هو ممتد حتي الآن، و أن التاريخ بالنسبة له إطار ، وان كان يحاكي الواقع، سواء كان ذلك مقصوداً أو عفوياً ، حيث نسج المؤلف إبراهيم حسن مسرحيته من خلال إيقاع سريع للأحداث، و أوجز الحملة الفرنسية التي استمرت 3 سنوات في 3 ساعات فقط، هي زمن العرض المسرحي بلغة درامية راقية، تعبر عن الشخصيات الإنسانية، ومنها شخصية "الغزولي" تاجر الحبوب الذي يظهره الكاتب ليحكي حلما منافقا للجنرال "مينو"، وفي نفس الوقت يحاول التهرب من تسليم حبوب للجيش الفرنسي .
حينما تخيلت العمل علي خشبة المسرح، شاهدت الشخصيات المرسومة بمهارة علي الورق الي شخصيات من لحم ودم ، و قفز لذهني تساؤل يبدو منطقي، هل إبداع المؤلف، و قد أبدع بالفعل، أو أن براعته في رسم الشخصيات بمنتهى الحرفية، وكان بارعاً بالفعل ، هو المسئول عن آداء الممثلين الذين تواجدوا في ذهني، وجسدوا شخصيات الكاتب الورقية.
ان القاعدة الأساسية التي لا يستطيع أحد القفز علي أهميتها، إن الممثل يحتاج إلى نص قوي، لكي يتألق ويُبدع، ويُمتع المشاهد، وفي المقابل يحتاج المؤلف لممثل مُبدع يمتلك أدوات فنية لتوصيل أفكاره للجمهور، و بالطبع لا بد أن يتشارك الكاتب مع مخرج بارع لاظهار العمل الفني .
و لا أخفي وأنا أتخيل اللوحات البديعة التي يتحرك في إطارها الممثلين علي خشبة المسرح ، وهم يرتدون ملابسهم كما رسمها المؤلف بعناية، جعلتني نعيش لمدة 3 ساعات في أزمنة بعيدة، وان كان الحوار مشحون بالاسقاطات التي يراها قارى النص أو مشاهد المسرحية كيفما شاء .
كما أنني رأيت انسجاماً بين المؤلف والمخرج، الذي لم يكن موجوداً إلا في مخيلتي التي حفزها النص علي التعايش الإيجابي مع بيئة الأحداث، كما جعله المؤلف موجوداً في عمق النص، خاصة أن اللوحات تتيح له إبراز إبداعه من خلال البيئة التي رسمها الكاتب، تاركاً له الحرية في التعامل مع الورق ، فاللوحات أظهرت شكل الملابس الملابس و " كشك الطهارة "الختان"، و طرق التعامل مع الحسد ، و غرس الإبرة في عين وجسد عروسة قماش، وجميعها موروثات من أزمنة بعيدة .
في النهاية وجدت نفسي أمام عمل فني مدروس و مكتمل في لوحات بديعة
و وجدت أن المسرحية تغرد خارج سرب الكتابة التقليدية، لأنها تحتوى على المتعة الفنية والفكرية، فضلاً عن أنها مشحونة بمفردات سهلة، تتراوح ما بين العامية و الفصحي البسيطة، التي تخاطب الجمهور العادي، ما جعل الحوار علي ألسنة الشخصيات يبدو و كأنه في زماننا، فالمسرحية التي دارت أحداثها ما بين رشيد والمحروسة، تشابكت فيها ثقافات الاحتلال العثماني والحكم المملوكي، ومدي تأثير ذلك علي المجتمع وقتها، مثل تنامي مساحة الأوهام و الخرافات التي كانت تسيطر علي البيئة،كما أن المواقف ،رغم تسارعها ، تمخضت بالمفارقة والتناقض بين أحلام الفرد وقدراته الحقيقية .
وفي النهاية ، أو التأكيد علي أن ثمة اشكاليات عدة طرحها هذا العمل البديع الذي حظي بحفاوة النقاد والكتاب أثناء مناقشته .