الدكتور أحمد عبود يكتب: الفراغ النفسي.. إنسان سُلبت منه النفس فأصبح جمادًا يتحرك
الفراغ النفسي هو أحد أخطر الظواهر التي يمكن أن يمر بها الإنسان، حيث يعاني من انقطاع داخلي عن الذات والشعور بالهدف. إنّه إحساس يشبه الفراغ، حيث يتجوّل الشخص في حياته وكأنّه جمادٌ يتحرك دون اتجاه أو معنى. قد يبدو الإنسان ظاهريًا كأي شخص آخر، يؤدي واجباته اليومية ويتفاعل مع الناس، لكن داخله خاوي من الحياة والشعور الحقيقي.
*أسباب الفراغ النفسي*
تتعدد أسباب الفراغ النفسي، وتختلف باختلاف التجارب الحياتية التي يمر بها كل شخص. قد يكون السبب فقدان عزيز، فشل في تحقيق هدف معين، أو حتى نجاح كبير دون أن يرافقه شعور بالإنجاز الشخصي. أحيانًا يكون النجاح الخارجي مجرد قشرة تغطي على شعور داخلي بالعزلة أو فقدان المعنى.
أيضًا، يمكن أن يؤدي الانغماس الزائد في الأمور المادية إلى تفاقم هذا الشعور، حيث يجد الإنسان نفسه قد انشغل بما حوله حتى فقد صلته بجوهره الداخلي. الأشخاص الذين يُهمّشون مشاعرهم أو يتجاهلون احتياجاتهم الروحية قد يواجهون في النهاية إحساسًا بالفراغ، وكأنهم يعيشون في عالم خارجي بينما أرواحهم في عزلة.
*آثار الفراغ النفسي*
الفراغ النفسي قد يُحوّل الإنسان إلى كائن يعيش من أجل إكمال المهام اليومية دون أي إحساس بالمتعة أو الهدف. يشعر وكأنه يتحرك تلقائيًا، مثل آلةٍ مبرمجة، دون أن يتفاعل بصدق مع العالم من حوله. هذا الشعور بالجمود الداخلي يؤثر على العلاقات الشخصية، فقد يصبح الشخص منعزلاً حتى عن أقرب الناس إليه.
كما قد يؤدي إلى مشاكل نفسية أعمق مثل الاكتئاب والقلق، إذ يتنامى شعور بالعجز عن تغيير الحال أو البحث عن مخرج من هذه الدوامة النفسية. الحياة، من دون معنى حقيقي، تصبح رحلة مرهقة تشعر الإنسان وكأنّه يجري في دائرة مغلقة دون نهاية.
*البحث عن معنى*
إيجاد معنى للحياة هو المفتاح الرئيسي للتغلب على الفراغ النفسي. الإنسان بحاجة لأن يشعر بأن لحياته قيمة وهدفًا. أحيانًا، يكون الحل هو العودة إلى الذات، واستكشاف ما يهمها حقًا. هذا الاستكشاف لا يجب أن يكون عظيمًا أو مرتبطًا بتحقيق إنجازات كبيرة، بل قد يكون في الأمور البسيطة التي تغذي الروح، مثل هواية، أو خدمة الآخرين، أو حتى قضاء الوقت في التأمل والارتباط بالروحانية.
الوعي بالذات وتحديد الاحتياجات الحقيقية يمكن أن يكون بداية لملء هذا الفراغ. ربما لم يكن الفشل أو الفقدان هو ما أثّر على الإنسان بقدر ما هو تجاهله لاحتياجاته الداخلية، أو بحثه عن السعادة في أماكن لا تُلبي طموحاته النفسية والروحية.
*التواصل مع الآخرين*
قد يساهم الفراغ النفسي في الانعزال عن الآخرين، لكن التواصل يمكن أن يكون عاملًا هامًا في تجاوز هذه الحالة. التحدث عن المشاعر، والبحث عن دعم من الأصدقاء أو العائلة، يُعزّز الإحساس بالانتماء ويُعيد تشكيل الروابط العاطفية. في بعض الأحيان، يكون الآخرون قادرين على مساعدتنا في اكتشاف ما نفقده بداخلنا.
*الخلاصة*
الفراغ النفسي هو حالة من العيش بدون روح، حيث يُصبح الإنسان أشبه بجماد يتحرك بين الناس دون إحساس بالمعنى أو الهدف. تجاوز هذه الحالة يتطلب رحلة داخلية لاكتشاف الذات، والبحث عن المعنى الحقيقي للحياة، والعودة للتواصل الصادق مع الآخرين. إنّ إيجاد الغاية من الحياة ليس رفاهية، بل هو ضرورة أساسية لتحقيق الرضا النفسي والاتزان الروحي.
وفي نهاية المطاف، الفراغ النفسي ليس نهاية الرحلة، بل هو دعوة للعودة إلى الذات، لإعادة اكتشاف ما يهمنا فعلاً وما يملأ قلوبنا بالحياة والفرح.