هكذا يمكن للتمارين البدنية أن تقوي قدرات الدماغ
نعلم جميعاً أن التمارين الرياضية مفيدة لصحتنا الجسدية، وقد اكتشف أيضاً مزيد من الناس في الأعوام الأخيرة كيف يمكن أن يكون للحركة تأثير تحولي في صحتنا العقلية. لكن الجانب الذي ما زال غير معروف كثيراً هو كيف يمكن للياقة البدنية أن تعزز قوة الدماغ للأفراد؟
توصلت دراسة جديدة بتكليف من شركة "أزيكس" Asics (asics.com) (شركة يابانية متعددة الجنسية تنتج ملابس وأحذية وأكسسوارات رياضية) إلى أن التمارين الرياضية يمكن أن تحسن إلى حد كبير الوظيفة الإدراكية عند الأشخاص الذين يمارسونها.
وفي إطار هذا البحث، وجه البروفيسور براندون ستابس الدعوة إلى 77 لاعباً تنافسياً من مختلف أنحاء العالم، من الذين لم يقوموا في السابق بممارسة أي تمارين بدنية، إلى المشاركة في برنامج تدريبي مدته أربعة أشهر. وبتوجيهات من المدرب، شارك المدعوون - وهم من المحترفين في ألعاب كالشطرنج وما جونغ الصينية والرياضات الإلكترونية - في جلسات تدريب على تمارين القلب والأوعية الدموية Cardio وتمارين القوة الجسدية ذات التأثير المتوسط، وقاموا بأنشطة بلغ مجموعها 150 دقيقة في الأسبوع.
في غضون ذلك، عمل فريق تصوير على تتبع أربع من اللاعبين لتسجيل فيلم وثائقي بعنوان "الألعاب الذهنية، التجارب" Mind Games, The Experiment.
الدكتور ستابس الذي قام بقياس مهارات حل المشكلات لدى اللاعبين والذاكرة قصيرة المدى والوظيفة التنفيذية لديهم - أي القدرة على التوفيق بين المهمات وتحديد أولوياتها - قال: "لاحظنا أن ممارسة التمارين لدى هذه الفئة من الأفراد المحترفين جداً، كان لها تأثير مفيد على الوظيفة الإدراكية لديهم، وذلك على نطاق واسع بزيادة بلغت نسبتها 10 في المئة"، مضيفاً "لا بل تبين أن بعض التحسنات طرأت على طريقة لعبهم. فقد ارتفع ترتيبهم على المستوى الوطني بمعدل وسطي بلغ 50 في المئة، فيما ارتفع تصنيفهم الدولي بنسبة 75 في المئة".
من هنا، إذا تمكن هؤلاء اللاعبون المحترفون من أن يظهروا نمواً كبيراً، فهل يمكن أن تساعد ممارسة التمارين جميع الناس في شحذ مهاراتهم العقلية؟
تقوية المادة الرمادية في الدماغ
يرى الدكتور إيمر ماك سويني الرئيس التنفيذي والاستشاري المختص في أشعة الأعصاب لدى مؤسسة "ري: كوغنيشن هيلث" Re:Cognition Health (recognitionhealth.com) (المتخصصة في تشخيص وعلاج ورعاية الأشخاص المصابين بداء ألزهايمر أو الخرف أو ضعف الإدراك أو مشكلات الصحة العقلية) أن "هناك كثيراً من الفوائد المعترف بها والمؤكدة لتمارين تقوية الدماغ، بدءاً من خفض التوتر والقلق، مروراً بتحسين الطاقة والانتباه والتركيز وتقوية الذاكرة، وصولاً إلى خفض شيخوخة الدماغ وحالات التنكس العصبي المرتبطة بها".
لا يعرف العلماء بعد على وجه التحديد سبب ارتباط التمارين الرياضية بالإدراك، إلا أن دراسات مسح الدماغ تشير إلى أنه عندما يرتفع معدل ضربات القلب، تتشكل مسارات عصبية جديدة تربط مناطق الدماغ المتعلقة بوظائف مثل حل المشكلات و الذاكرة و العاطفة ويقول البروفيسور براندون ستابس "عندما يمارس الفرد تمارين رياضية، تتشكل لديه مسارات جديدة تتطور وتتزايد قوتها، تماماً كالعضلات. وكلما زاد استخدام هذه المسارات، أصبحت أقوى على المدى القصير. أما على المدى الأبعد، فستزداد أيضاً هذه المناطق".
وإضافة إلى ما تقدم، يوضح أن التمارين الرياضية تحفز إنتاج مواد كيماوية مثل "عامل التغذية العصبية المستمد من الدماغ" Brain Derived Neurotrophic Factor (BDNF) و"عامل نمو الإنسولين" Insulin Growth Factor. ويضيف أن "هذين هما العاملان اللذان يحفزان نمو الخلايا الجديدة في مناطق الدماغ، والاستجابة حقاً لتقلص العضلات، مما يساعد في تخصيب الدماغ بطريقة إيجابية فعلاً من خلال تزييت تلك الروابط".
روابط طويلة الأجل
لذا فإن الحصول على اللياقة قد يجعلك أقل عرضة لفقدان مفاتيح سيارتك أو التسويف وإرجاء الأمور على أساس يومي، ولكن هل يمكن أن يساعد في منع التدهور المعرفي على مدار حياتك؟
يجيب ماك سويني من "مؤسسة ري: كوغنيشن هيلث": "يعتقد أن التمارين الرياضية تحفز نمو خلايا الدماغ وإبقاءها على قيد الحياة، الأمر الذي قد يساعد في خفض خطر الإصابة بالخرف. وهي تساعد أيضاً في تعزيز النوم، الذي يعد عاملاً ضرورياً لجميع جوانب عمل الجسم، بما في ذلك التقليل من مخاطر الإصابة بمرض ألزهايمر، والمساعدة في إدارة التوتر والقلق وحالات الصحة الذهنية الأخرى".
مخطط التمرين الذهني
إذا كنت - كما اللاعبين الذين شاركوا في دراسة شركة "أزيكس" - تبدأ من الصفر في رحلة اكتساب لياقتك، فلا داعي لأن تخوض على الفور في تدريبات سباق الماراثون، أو في صفوف "التدريب المتواتر عالي الكثافة" High-Intensity Interval Training (HIIT) (تمارين "كارديو" رياضية لمدة قصيرة لكن بوتيرة عالية).
وينصح البروفيسور ستابس المبتدئين بممارسة "تمارين يستمتع الفرد بها، لأنه على الأرجح سيبدأها وسيواصل القيام بها مرات أخرى. سواء كانت من قبيل المشي أو الركض أو الرقص أو السباحة، أو المشاركة في صف لياقة بدنية أو في جلسة فردية في صالة الألعاب الرياضية. ويمكن أن يجرب عدداً من الخيارات وينتقي ما يناسبه منها".
ويضيف: "بعد ذلك، بمجرد الخوض في سلسلة من الأنشطة، يمكنك مواصلة البناء على أن تقوم بإضافة التنوع في تمارينك. ويمكنك الذهاب مع الأصدقاء، والقيام بأنشطة في الهواء الطلق، والمطلوب هو أن تجرب وتستمتع بكل ما تقوم به".
ويقول ستابس: "إذا كنت تمارس بانتظام تمارين القلب والأوعية الدموية، أو تمارين القوة الجسدية، فحاول الجمع بين الإثنين للحصول على أفضل النتائج. المشاركون في الدراسة زادوا تدريجاً نشاطهم معتدل الشدة في الأسبوع، إلى نحو 150 دقيقة، بما فيها تمارين القوة لمدة يومين. وهذا هو في الواقع السيناريو المثالي لجميع الناس".
لكنه لفت أيضاً إلى أن "معدل تقدم الناس في التمارين يختلف بين الأفراد. ومن المهم تذكر أن قليلاً منها أفضل من لا شيء، ومزيد من التدريبات أفضل من قليل".
أما في الأوقات التي يرغب فيها الفرد بزيادة سريعة لقدرة الدماغ لديه، كتحضيره لخوض امتحان مهم، أو لإجراء مقابلة عمل، فإن التمرين المعتدل الذي يدوم 20 دقيقة قبيل الحدث الكبير، يعد الطريقة الأفضل.
ويوضح البروفيسور ستابس أن ذلك "يساعد في البداية في إثارة الجهاز العصبي ثم في تهدئته أيضاً في ما بعد. إنه لأمر جيد فعلاً أن تقوم به مباشرة قبل الحدث، لمساعدتك في التركيز والشعور بمزيد من الهدوء في قرارة نفسك، وأن تقدم أداء أفضل".