للآباء والأمهات.. حقائق يجب مناقشتها مع أبنائكم
سرعان ما يكبر الأبناء ويبدؤون بالاندماج في المجتمع والاعتماد على أنفسهم في قيادة تجربتهم الحياتية والاستقلال عن ذويهم، ويقلق الآباء على أبنائهم، وتساورهم شكوك وتساؤلات كثيرة آملين أن يكونوا قد نجحوا في تربيتهم وتأهيلهم ليكونوا أفراداً صالحين قادرين على التعامل مع صعوبات الحياة، وهذه الهموم مشتركة بين جميع الآباء على حدٍّ سواء.
تفيد الدراسات والملاحظات بأنَّ معظم الآباء يعطون الأولوية لعافية الأبناء وتعليمهم أكثر من جوانب الحياة الأساسية الأخرى مثل الرعاية الصحية، وتكاليف المعيشة، والسلامة العامة، وتبيَّن أنَّ عافية الشباب وتثقيفهم هي القضية المشتركة والهم المشترك بين كافة أطياف المجتمع على اختلاف أجناسهم وأعمارهم وأعراقهم وتوجهاتهم السياسية، وهذا يعني أنَّ جميع أفراد المجتمع يتفقون على مسألة الاهتمام باليافعين.
يتألف المقال من جزأين وهو يقدم 20 حقيقة بسيطة وفعَّالة يجب طرحها في المحادثات اليومية مع الأطفال بغية مساعدتهم على تحسين نظرتهم تجاه أنفسهم وتعزيز إحساسهم بقيمتهم ومكانتهم في المجتمع من حولهم، وتحسين جودة حياتهم.
حقائق يجب أن تناقشها مع أبنائك
1. الاعتماد على النفس أفضل من الحصول على القرارات والحلول الجاهزة:
حياة الفرد هي ثمرة قراراته وخياراته، فإذا لم يكن راضياً عنها، وجب عليه أن يبدأ بإجراء التغييرات والعمل على تحسين جودة القرارات، وينطبق هذا المبدأ على جميع الأفراد بمن فيهم الأطفال؛ إذ تقع على عاتق الآباء مهمة تثقيف الطفل وتعزيز شعوره بالمسؤولية وتعويده على الاعتماد على نفسه في اتخاذ القرارات دون أن يعتمد على والديه.
تقع على عاتق الآباء مهمة توجيه الأبناء ونقل السلوكات والأفعال الحميدة إليهم، ولكنَّ تطور شخصية الطفل وتجاربه الحياتية تعتمد على جهوده وخياراته، فلا بأس بأن تساعد طفلك وتوجهه في حياته، ولكن إياك أن تعوِّده على الاتكال عليك في اتخاذ قراراته، ويجب أن يعتمد الطفل على نفسه حتى يكون قادراً على تدبُّر أمره وحده لأنَّك لن ترافقه طوال حياته؛ والخلاصة عليك أن تزود طفلك بالمهارات والتقنيات التي يحتاج إليها لتحديد خياراته بدلاً من أن تتخذ قراراته بالنيابة عنه.
2. جميع التجارب صعبة في بدايتها لكنَّها تغدو أسهل مع الممارسة والتعود:
تقتضي التربية السوية تعويد الطفل على الاعتماد على نفسه، وتحمُّل مسؤولية حياته الشخصية، وخوض التجارب وحده حتى يتعلَّم ويتطور، وتزداد ثقته بنفسه، ولا يتكل على أحد في تسيير شؤون حياته؛ أي يجب أن تسمح لابنك بأن يستقل المواصلات العامة وحده، ويرجع من المدرسة وحده، قد يواجه المراهق بعض الخوف والصعوبة في البداية بسبب غياب والديه، ولكنَّه سيشعر بالأمان والطمأنينة مع مرور الوقت وتزداد قدرته في الاعتماد على نفسه.
3. تنجم أقسى خيبات الأمل في الحياة عندما تكون توقعات الفرد في غير محلها:
لا يتوقع الفرد كثيراً من الحياة خلال مرحلة الطفولة، ولكنَّ آماله وتوقعاته تزداد تدريجياً مع تقدُّمه في السن، لذا يجب أن تعوِّد طفلك على ضبط توقعاته وتحكيم المنطق حتى لا يتعرض لمشاعر الخيبة والإحباط والتوتر النفسي عندما يكون الواقع مختلفاً عن التصورات والأحلام الوردية التي نسجها في مخيلته، ويقتضي السلوك السليم عيش الحياة بموقف إيجابي وذهن منفتح، وقبول النتائج التي تخالف التوقعات.
4. القلق هو العائق الأساسي للتنمية الشخصية:
يحرمك القلق من بهجة حياتك ويشغل فكرك ويمنعك من الجد والعمل ويعوق تقدمك في الحياة، ويمكن تعريف القلق على أنَّه عملية يستخدم فيها الفرد خياله في تصور وقوع مكروه أو حدث يخشاه، لذا يجب أن تعوِّد طفلك على استخدام خياله في تصور أحداث ومواقف مبهجة.
5. تعتمد جودة حياة الفرد على موقفه مما يحدث معه:
يصبح الإنسان فاعلاً ومتحكماً في حياته عندما يكوِّن موقفه الخاص تجاه ما يحدث معه، ويجب أن يعبِّر هذا الموقف عن الحياة التي تتمنى أن تعيشها، وهو لا يقتضي المبالغة في التفاؤل وإنكار الظروف الصعبة؛ بل يعني قبول الواقع وتحقيق أقصى فائدة ممكنة من الفرص المتاحة، وينجم معظم الإحباط والتوتر النفسي على الأمد الطويل عن طريقة الاستجابة والتفاعل مع الظروف المحيطة، لا عن الحدث أو الظرف بحد ذاته، لذا يجب أن تتعود على اختيار موقفك بحكمة حتى تعيش حياة هانئة ومستقرة، وتنقل هذه السلوكات الإيجابية إلى أبنائك.
6. ممارسة الامتنان ضرورية لزيادة مستوى السعادة وتحسين الصحة:
يوجد عدد كبير من الفوائد المرتبطة بكتابة يوميات الامتنان بالنسبة إلى كل من البالغين والأطفال على حدٍّ سواء؛ إذ طلب عالم النفس "روبرت إيمونز" (Robert Emmons) الأستاذ والباحث في "جامعة كاليفورنيا (دافيس)" (UC Davis) من مجموعة من الطلاب المراهقين أن يلتزموا بكتابة يوميات الامتنان لمدة 10 أسابيع، وقام الطلاب خلال فترة الدراسة بكتابة 5 أشياء يشعرون بالامتنان لحدوثها في نهاية كل أسبوع، ومن ثم بينت النتائج تزايد مستويات السعادة، والتفاؤل حيال المستقبل، والمناعة ضد الأمراض عند الطلاب الذين التزموا بتطبيق تمرين الامتنان خلال فترة الدراسة؛ وخلاصة القول يجب تعويد الطفل على كتابة يوميات الامتنان؛ لأنَّها تساعده على زيادة مستوى سعادته وتفاؤله، وتحسِّن صحته.
7. السعي خلف المعنى والأهداف هو الحل الأمثل لمعضلة البحث عن السعادة:
السعادة شعور عابر يترافق مع ظروف مبهجة مؤقتة، وهي قضية معقدة تشغل بال كثير من الأفراد في مرحلة الشباب، واللحظات السعيدة عامرة بالفرح والخير والمتعة لكنَّها تمضي وتُطوَى مع الزمان.
لا يعتمد مفهوم البحث عن السعادة على الظروف المؤقتة؛ بل إنَّه يعبِّر عن سعي الفرد خلف المعنى وعيش حياة هادفة وحافلة بالتقدم يوماً تلو آخر، ويعتمد هذا المعنى على الدافع الكامن خلف أهدافك وأعمالك اليومية، وهو ما يساعدك على عيش حياتك وفق شروط ومعايير خاصة بك، وبالنتيجة يتسنى لك أن تتغلب على كافة المشكلات وتذليل الصعوبات التي تعترض طريقك، وهذا يعني أنَّك تبذل قصارى جهدك في إحراز التقدم لإضفاء مزيد من المعنى إلى حياتك، لذا عليك أن تساعد طفلك على تحديد دوافعه، وتشرح له أنَّها عرضة للتغير بشكل طبيعي مع مرور الوقت.
8. تكمن حكمة الحياة في التجارب بحد ذاتها لا بالأهداف النهائية:
لا تكمن الحكمة والفائدة الحقيقية في تحقيق الهدف؛ بل بالتجربة بحد ذاتها والمراحل التي تقطعها والتقدم الذي تحرزه والخبرات التي تكتسبها في أثناء ذلك، وتكمن حكمة التجارب التي يخوضها الإنسان في الخبرات والمهارات التي يكتسبها، والعلاقات والذكريات التي يكوِّنها في أثناء ذلك، لذا يجب أن تعيش حياتك على هذا الأساس حتى يتعلم أبناؤك منك؛ لأنَّ الطفل يقلد سلوكات والديه.
9. العمل على تحقيق الأهداف التي تصبو إليها هو الطريقة المثالية لتجنُّب الأشياء التي لا ترغب بحدوثها:
ينشغل فكر الفرد بالأشياء التي ينهى نفسه عنها ويحاول تجنبها وعدم القيام بها، وهذا ينطبق على كافة ميادين الحياة، ويتعرض له جميع الناس على اختلاف أعمارهم؛ إذ تؤدي محاولاتك المستمرة لتجنُّب وضع أو موقف معيَّن إلى الإفراط في التفكير به، بحيث يصبح هذا الأمر مصدر القلق والهاجس الذي يطاردك طوال حياتك، لذا يمكنك أن تتخلص من هذا العبء من خلال التركيز على الأهداف والأمور التي تريد أن تحققها في حياتك.
10. الأفعال أبلغ من الكلام على الأمد الطويل:
يشترك جميع الأطفال بميلهم للتمرد على توصيات الوالدين والقواعد التي تُفرَض عليهم، ولكنَّهم بالمقابل يراقبون سلوكات الكبار ويقتدون بها، ولهذا السبب يجب أن تركز على أفعالك وتصرفاتك وتكون مثالاً يُحتذى به قبل أن تناقش أطفالك بالقواعد والضوابط المطلوبة منهم، وتذكر أنَّ العمل هو السبيل الوحيد لتحقيق الأهداف والغايات.
الآباء هم مصدر المعلومات والتصورات الأولى التي يكوِّنها الأطفال عن العالم من حولهم قبل المضي في حياتهم والاندماج في المجتمع وخوض التجارب بأنفسهم، ويمكنك أن تساعد طفلك على تحسين حياته وتجنب كثير من الخيبات عندما تشرح له عن طبيعة الحياة والقوانين التي تسير وفقها، لقد قدَّم الجزء الأول من المقال 10 حقائق يجب أن يناقشها الآباء مع أبنائهم، ويشرح الجزء الثاني والأخير منه بقية الحقائق.