دراسة تكشف كيف تبخر سكان ممستوطنة فى عام 79
بينما يربط معظمنا ثوران جبل فيزوف في عام 79 ميلادي ببومبي، كشفت دراسة جديدة عن التأثير المدمر الذي أحدثته الكارثة على سكان مستوطنة مجاورة أخرى، تسمى هيركولانيوم.
وقد وجد الباحثون دليلا على أن "تيارات الحمم البركانية"، وهي تدفقات ساخنة وسريعة الحركة من الغاز والجسيمات البركانية، ضربت المدينة الرومانية الصغيرة آنذاك.
وفي الورقة البحثية المنشورة في مجلة Scientific Reports، وصف فريق جيولوجيين من جامعة روما تري، كيف عثروا على دليل على وجود تيار حممي ضرب هيركولانيوم بعد فترة وجيزة من انفجار فيزوف، ما أدى إلى تبخير الأشخاص الذين يعيشون هناك.
وأول ما اندلع البركان طرد تيارات الحمم البركانية (PDC) بدرجات حرارة عالية للغاية تقدّر بـ550 درجة مئوية (1022 درجة فهرنهايت)، ما أدى إلى تبخر السكان في غضون دقائق، في حين أن سلسلة من التيارات الأصغر عند درجات حرارة منخفضة تصل إلى 465 درجة مئوية (870 درجة فهرنهايت) دفنت المدينة تحت رواسب بركانية بسمك 65 قدما.
وفي حين أن معظم الجثث في هيركولانيوم تحولت بسرعة إلى أكوام من الرماد، وجد العلماء سابقا أنسجة بشرية تحولت إلى زجاج بفعل هذا الحدث.
وتم حرق دماغ أحد الرجال عند درجة حرارة عالية جدا، قبل أن يبرد بسرعة، ويتحول إلى شكل من الزجاج، وهي عملية تُعرف باسم التزجيج.
ويقول الجيولوجيون في ورقتهم البحثية: "على الرغم من كون ثوران بركان جبل فيزوف في عام 79م، واحدا من الانفجارات التي تمت دراستها أكثر من غيرها، إلا أن التوقيت الدقيق وأسباب الوفاة في بومبي وهيركولانيوم ما تزال محل نقاش".
وأضافوا: "أظهرنا أن أول تيار من الحمم البركانية التي دخلت المدينة كان موجة رماد قصيرة العمر، مع درجات حرارة تتراوح بين 555-495 درجة مئوية، قادرة على التسبب في الموت الفوري للناس".
أدى ثوران بركان جبل فيزوف عام 79 بعد الميلاد إلى تدمير مستوطنات بومبي وهيركولانيوم وتوري أنونزياتا وستابيا، ما أسفر عن مقتل الآلاف في تلك الحادثة.
وكان سكان بومبي بعيدين عن البركان، ما يعني أنهم لم يتعرضوا "لتدفقات الحمم البركانية". ولكن بدلا من ذلك، تم دفنهم أحياء في الرماد الذي حافظ على رفاتهم وعلى جزء كبير من المدينة.
في المقابل، لم يتم حفظ جثث الأشخاص الذين يعيشون في هيركولانيوم جيدا بعد موتهم، وهو ما شكل لغزا لعلماء الآثار، ما دفعهم للبحث عن سبب ذلك.
فقاموا بجمع عينات من الخشب المكربن من خمسة مواقع في هيركولانيوم ودراستها باستخدام تحليل الانعكاس، الذي يقدر كثافة امتصاص الطاقة.
وأظهرت العينات علامات تعرضها لغاز شديد السخونة لفترة قصيرة جدا، وهو دليل على التعرض لتيار الحمم البركانية.
وكانت درجة الحرارة الأولى التي دخلت هيركولانيوم لا تقل عن 550 درجة مئوية، على الرغم من أنها تجاوزت هذا الرقم على الأرجح، وفقا للفريق.
وتبع ذلك ما لا يقل عن تيارين أكثر برودة مع درجات حرارة تتراوح بين 315 درجة مئوية و465 درجة مئوية، مما ترك رواسب بركانية أكثر سمكا على الأرض.
وسمحت هذه النتائج للفريق بفهم ظروف تكوين وحفظ جمجمة بداخلها دماغ مزجج لضحية عثر عليها في Collegium Augustalium، وتم الإبلاغ عنها في عام 2020.
وقد تم حرق دماغ الضحية في درجة حرارة عالية جدا قبل تبريده بسرعة، وتحويله إلى مادة صلبة تشبه الزجاج الأسود، لكن هذه كانت حالة فريدة من نوعها، حيث أن الغالبية العظمى من الضحايا في هيركولانيوم تبخروا على الفور.
ويقول الخبراء في ورقتهم البحثية إن "تحول الأنسجة الدماغية الطازجة إلى زجاج في بيئة حارة لا يمكن تحقيقه إلا إذا تم استيفاء شرطين: إذا كان حدث التسخين قصير العمر، بحيث لا يتبخر النسيج تماما، وبمجرد اختفاء التيار المخفف، لا يتم دفن الجسم بالكامل في ترسب ساخن، وهو شرط ضروري للسماح بالحركة السريعة جدا التبريد المطلوب لتحقيق التزجيج".
وأشار الفريق أيضا إلى أن العديد من الجثث في بومبي أظهر موقفا نموذجيا بعد الوفاة يُعرف باسم "وضع الملاكم''، مع ثني المرفقين والركبتين بالإضافة إلى قبضة اليد.
وغالبا ما ينتهي الأمر بالأجسام التي تتعرض لدرجات حرارة عالية في هذا الوضع حيث تجف أنسجتها وعضلاتها وتتقلص.
لكن هذا لا يحدث إذا كانت درجات الحرارة عالية بما يكفي لتبخير اللحم بسرعة من العظم، كما هو موضح في هيركولانيوم، وهو ما يفسر سبب عدم العثور على جثث محفوظة في هيركولانيوم كتلك الموجودة في بومبي.
ويفترض الفريق أن النتائج التي توصلوا إليها يجب أن تكون بمثابة تحذير للمواطنين المعاصرين في نابولي، وهي مدينة قريبة بما يكفي لتشعر بآثار تيار الحمم البركانية في حالة ثوران فيزوف مرة أخرى.
ويحذرون من أن "مثل هذا الخطر يستحق مزيدا من الاهتمام بفيزوف وأماكن أخرى، لا سيما الخطر الذي تم التقليل من شأنه المرتبط بارتفاع سحب الرماد الساخن المنفصل، والذي، على الرغم من أنه قصير العمر، قد يعرض المباني لأضرار شديدة بسبب الحرارة والناس للموت''.